وضع داكن
18-10-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 019 ب - اسم الله الخلاق 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

  الفرق بين صنعة الإنسان وبين صنعة الواحد الديان:


أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم الله الخلّاق، والخلّاق كما قلت صيغة مبالغة من الخالق، والخالق هو الذي خلق كل شيء من لا شيء على غير مثال سابق.
أما إذا نسبنا مجازاً إلى الإنسان الخلق فهو الذي يصنع شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، لذلك فرق كبير بين صنعة الإنسان وبين صنعة الواحد الديان، على كلٍّ الخلّاق هو المبدع كَمّاً وكيفاً، وقد قال الله عز وجل:

﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)﴾

[ سورة السجدة ]

 

التفكّر عبادة من أرقى العبادات:


وبالمناسبة هناك عبادة هي أرقى عبادة على الإطلاق، إنها عبادة التفكر، الأصل فيها قوله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران ]

الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية، ونصب له كوناً ينطق بكل تفاصيله بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، وقد قال الله عز وجل: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ والله عز وجل جعل التفكر بآياته الكونية والتكوينية والقرآنية سبيلاً إلى معرفته، قال تعالى:

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)﴾

[ سورة الجاثية ]

أي ليس هناك من طريق للإيمان بعظمة الله إلا التفكر في آياته.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)﴾

[ سورة النحل ]

 

من يجول في آيات الله الدالة على عظمته يزداد معرفة بالله:


لذلك يمكن أن نقف وقفة متأنية عند خلق السماوات والأرض، هذا الكون هو ما سوى الله، وعُبر عنه في القرآن الكريم بالمصطلح التالي: السماوات والأرض، السماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله.
الكون متحرك، وبناء على قانون الجاذبية لولا أنه متحرك لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة، أي المليار مليار مجرة، وكل مجرة فيها مليار مليار نجم، لولا أن الكون متحرك، لولا أن كل كوكب يتحرك ويدور حول كوكب آخر لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة، أما حركة الكوكب ينشأ عنها قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، فالمحصلة حركة مع سكون، أو سكون حركي، وهذا شيء دقيق جداً، أن شيئاً متحركاً ويبدو ساكنًا، الأرض متحركة، في الثانية تقطع ثلاثين كيلومتراً في الثانية، أي درس عشر ثوانٍ ثلاثمئة كيلو متر، عشرون ثانية ستمئة كيلو متر، ستون ثانية، ساعة، أي بالساعة نقطع مئات ألوف الكيلو مترات، هذا شيء من مسلَّمات العلم الفلكي: ﴿الَّذِي أَحْسَن كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ لما يعوِّد الإنسان نفسه يجول في آيات الله الدالة على عظمته يزداد معرفة بالله، لأن الله سبحانه وتعالى:

﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)﴾

[ سورة الأنعام ]

لكن العقول تصل إليه.
 

الكون آية من آيات الله الدالة على عظمته:


إذا كان بُعْد أقرب نجم ملتهب عنا أربع سنوات ضوئية، وأي طالب في الإعدادي الضوء سرعته ثلاثمئة ألف كيلو متر بالثانية، ضرب ستين بالدقيقة، ضرب ستين بالساعة، ضرب أربع وعشرين باليوم، ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين بالسنة، ضرب أربع، بثوان يُحسب هذا الرقم، لو أن هناك طريقًا معبدًا لهذا الكوكب، ومعنا مركبة أرضية، سرعتنا مئة، قسِّم هذه المسافة على مئة، الناتج كم ساعة، قسّم على أربع وعشرين كم يوم، قسّم على ثلاثمئة وخمسة وستين كم سنة، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب نحتاج إلى خمسين مليون عام، من أجل أن تعرف ماذا تعني كلمة أربع سنوات ضوئية، أربع سنوات ضوئية أي قيادة مركبة إلى هذا الكوكب خمسون مليون عام، الإنسان كل عمره مئة عام إذا عاش هذا السن، هناك شيء بالكون مذهل، أربع سنوات خمسون مليون عام، أربعة آلاف سنة بُعد نجم القطب عنا، من أربع سنوات لأربعة آلاف سنة، مليونا سنة ضوئية المرأة المسلسلة، عشرون مليار سنة بُعد أحد الكواكب، لذلك:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾

[ سورة فاطر ]

وكلمة ﴿إِنَّمَا﴾ تعني أن العلماء وحدهم ولا أحد سواهم، لذلك: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ﴾ إذا كانت الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، وبين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وأن نجماً صغيراً أحمر اللون في برج العقرب اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما.

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)﴾

[ سورة غافر ]

هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يُخطب وده؟ ألا تُرجى جنته؟ ألا تُخشى ناره؟ إذاً لولا أن كل كوكب يتحرك، وينشأ عن هذه الحركة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة: ﴿الَّذِي أَحْسَن كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ .
 

تفاوت درجة انصهار العناصر في الكون:


تصور أن كل عناصر الكون يحكُمها قانون الانصهار، كلما ارتفعت الحرارة ازدادت سرعة الذرات، فأخذ الجسم أو العنصر شكلاً آخر، من الحالة الصُّلبة إلى الحالة اللزجة، إلى الحالة المائعة، إلى الحالة الغازية، أيّ شيء إذا رفَعت حرارته انتقل من حالة الصلابة إلى الميوعة إلى الغازية، أبداً، حتى صخور البازلت ترونها تمشي في البراكين كالأنهار، ولو نظرياً رفعنا الحرارة أكثر لأصبح صخر البازلت بخاراً، هذا قانون.
الآن دقق لو أن كل عناصر الكون لها درجة انصهار واحدة، ما الذي يحصل؟ الكون كله إما أنه صُلب، أو مائع، أو غاز، أما أنت ترى طاولة صلبة، وهناك مقعد وثير لين، وهناك ماء تشربه، وهناك هواء تستنشقه، من الذي قال وقنن أن كل عنصر في الأرض له درجة انصهار؟ لولا هذا التفاوت في درجات الانصهار لكان الكون كله بحالة واحدة، أنت عندك بيت من الإسمنت، صلب، فيه حديد، فيه مقاعد وثيرة، فيه ماء تشربه، فيه هواء تستنشقه، أي يوجد غازات، يوجد سوائل، يوجد معادن، إذاً لو فكرنا في أن درجة انصهار العناصر متفاوتة لعرفنا قيمة هذه النعمة.
 

تناسق الأرض وتناسبها مع حجم الإنسان:


أيها الإخوة؛ أنت وزنك بالأرض ستون كيلو، على القمر عشرة كيلو غرام، على كوكب بحجم الشمس ضرب مليون ضعف، أي ستون مليون كيلو غرام، إذاً من صمم الأرض بحجم يتناسب معنا؟ هذا من نعم الله الكبرى، أنك أنت موجود على كوكب وزنك عبارة عن ستين كيلو غرام، لكن على كوكب آخر قد يكون الوزن ستين مليون كيلو غرام، صارت الحركة أشغالاً شاقة، إذاً: من جعل هذه الأرض متناسبةً مع حاجاتك؟
 

الحكمة من دوران الأرض على محور متعامدٍ مع مستوي دورانها:


شيء آخر؛ الأرض تدور، دقق بهذا الكلام، لو أن الأرض تدور على محور موازٍ لمستوي دورانها، هذه الشمس تدور هكذا انتهت الحياة، الوجه المقابل للشمس يدور هكذا معنى هذا هناك وجه فيه أشعة شمس بشكل دائم، هذا الوجه حرارته ثلاثمئة وخمسون درجة، تنتهي الحياة، والقسم الثاني حرارته مئتين وسبعون تحت الصفر، لو أن الأرض تدور على محور موازٍ لمستوي دورانها، هذه الشمس، من الذي صمم أنها تدور على محور مبدئياً متعامد مع مستوي دورانها؟ لما دارت الأرض على محور متعامد مع مستوي دورانها كان الليل والنهار.

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾

[ سورة فصلت ]

لو أن سرعة الأرض عالية جداً في دورانها، الليل ساعة، والنهار ساعة، اضطربت الحياة، لو أنها بطيئة، الليل شهر، والنهار شهر، وأنت طاقتك ثماني ساعات عملاً، فيجب في النهار أن تعمل وترتاح، وتعمل وترتاح، الحياة اضطربت، هذا نائم، هذا مستيقظ، أما الأرض كلها يلفها الظلام في اثنتي عشرة ساعة، وكلها يلفها النور والضياء في اثنتي عشرة ساعة.
لذلك دوران الأرض على محور ليس موازياً لمستوى دورانها ينشأ منه الليل والنهار، لو أن الأرض تدور حول الشمس على محور عمودي على مستوي دورانها صار هنا الصيف إلى أبد الآبدين، وهنا الشتاء إلى أبد الآبدين، لم يعد هناك فصول، لأنها تدور حول محور مائل على مستوي دورانها، تدور هكذا، هنا الصيف، فلما انتقلت إلى هنا صار هنا الشتاء، هنا الشتاء وهنا الصيف، إذا جاءت أشعة الشمس عمودية على سطح الأرض كان الصيف، فإذا جاءت مائلة كان الشتاء، لما يقول الله لك: ﴿وَمِنْ آيَاتِه اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ قال تعالى: 

﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)﴾

[ سورة فصلت ]

أي صيف، شتاء، ربيع، خريف، هذا نظام، نظام غذائي أيضاً، لذلك أيها الإخوة:

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)﴾

[ سورة يوسف ]

يجب أن تتفكر، عندما الله عز وجل يقول لك: ﴿وَمِنْ آيَاتِه اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ .
 

دوران الأرض حول الشمس:


الآن الأرض تدور حول الشمس بمسار إهليلجي، والمسار الإهليلجي فيه قطر أطول، وفيه قطر أصغر، الآن الأرض في اتجاه إلى القطر الأصغر، المسافة في القطر الأصغر قلّت، الجاذبية ازدادت، فهناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة، لأن جوف الشمس الحرارة فيه عشرون مليون درجة، ما الذي يمنع أن تنجذب الأرض إلى الشمس وتنتهي الحياة؟ الذي يمنع هذا أن الله جلّ جلاله، أن الله في علاه يرفع سرعتها، فإذا ارتفعت سرعتها نشأ عن هذه السرعة الزائدة قوة نابذة زائدة تكافئ القوة الجاذبة الزائدة، تبقى على مسارها.

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)﴾

[ سورة فاطر ]

من آيات الله الدالة على عظمته أن تبقى الأرض على محور دورانها، وعلى خط سيرها حول الشمس، الآن تجاوزت هذه المنطقة التي فيها القطر أصغر، ورفعت سرعتها فنشأ من هذه السرعة الزائدة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة بقيت على مسارها، فلما وصلت إلى القطر الأطول الجاذبية ضعفت، والسرعة عالية، هناك احتمال كبير أن تتفلت الأرض من جاذبية الشمس، فإن تفلتت انتهت الحياة لأنها تصبح قبراً جليدياً.
إذا ابتعدت الأرض عن مصدر الطاقة والحرارة تصبح قبراً جليدياً، مئتان وسبعون تحت الصفر تنتهي الحياة، من الذي يُخَفِّض سرعتها هنا من أجل أن ينشأ عن تخفيض السرعة قوة نابذة أقلّ تكافئ القوة الجاذبة الأقل؟ الله جلّ جلاله، لذلك:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

[ سورة الزمر ]

 

الشمس طاقة وضياء:


الآن من قال: هناك كواكب منطفئة كالأرض وهناك كواكب ملتهبة كالشمس؟ لولا أن هناك كواكب ملتهبة، وكواكب منطفئة لما كانت الحياة، الشمس مصدر الطاقة، والشمس متألقة من خمسة آلاف مليون عام، والعلماء يقدرون أن عمر الشمس يستمر إلى خمسة آلاف مليون عام أخرى، هذه الطاقة من أودعها فيها؟ ﴿وَمِنْ آيَاتِه اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ .
 

الهواء آية من آيات الله:


أيها الإخوة؛ من الذي خلق الهواء؟ الهواء طبقة فوق الأرض، سُمْك هذه الطبقة خمسة وستون ألف كيلو متر، هذا الهواء من الذي قنن أنه يتحرك مع الأرض؟ لو أن حركة الهواء منفصلة عن حركة الأرض ما الذي يحصل؟ ينشأ تيارات أعاصير على سطح الأرض سرعتها ألف وستمئة كيلو متر.
مرة في دمشق هبت رياح عاصفة هُدِّمت أبنية، وانهارت جدران، وانهارت أسوار، السرعة كانت مئة وخمسة وعشرين كيلو متر، فإذا كانت السرعة ألف وستمئة كيلو متر لا يبقَى على وجه الأرض شيء، لو أن الهواء ثابت والأرض تدور، من الذي قدر أن الهواء يدور مع الأرض؟ لذلك:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)﴾

[ سورة الروم ]

ما قال: على الأرض، لأن الهواء مع الأرض، أنت تمشي في الأرض لا على الأرض، لأن الهواء عُدّ مع الأرض، لذلك لولا أن الهواء ثابت مع الأرض لهُدم كل شيء على سطح الأرض، أي بعض الأعاصير بأمريكا تقترب سرعتها من خمسمئة كيلو متر لا يبقَى شيء على وجه الأرض، تُدمّر المدن بأكملها، هذه الأعاصير.
فلذلك أيها الإخوة؛ الهواء أولاً وسيط، لولا الهواء لما سمعت كلامي، رواد الفضاء على سطح القمر يتكلمون باللاسلكي بينهم، يكون واقفًا إلى جانب الرائد هناك متر لا يسمعه، لا يوجد وسيط، الهواء وسيط ينقل لك الصوت، ينقل لك الحرارة، أنت تسخن الهواء تتدفأ، تُبرِّد الهواء تشعر بالراحة، فالهواء وسيط، هو ينقل لك الدفء، والحرارة، والصوت.

من تفكّر في خلق السماوات والأرض عرف الله:


من الذي خلق الماء لا لون له ولا طعم له ولا رائحة؟ وسيط أيضاً.

﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)﴾

[ سورة الأنبياء  ]

لو أن الفكر انطلق في التفكر في خلق السماوات والأرض لعرف الله، هذا الإله العظيم ينبغي أن يُخطب وده، وهذا الإله العظيم ينبغي أن يطاع فلا يعصى.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)﴾

[ سورة آل عمران ]

قال علماء التفسير: معنى: ﴿اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ أي أن تطيعه فلا تعصيه، وأن تشكره فلا تكفره، وأن تذكره فلا تنساه. 

آيات الله في خلق الإنسان:


أيها الإخوة؛ لو انتقلنا إلى آيات الله في خلق الإنسان، أي كلكم يعلم أنه يوجد بالإنسان أجهزة وأعضاء يعجز العقل عن إدراك دقائقها، أي قرنية العين شفافة، كيف أصبحت شفافة؟ لأن نظام التغذية لقرنية العين نظام منفرد عن طريق الحلول لا عن طريق الأوعية، لو أن قرنية العين غُذّيت ككل نسج الجسم عن طريق الأوعية لرأيت ضمن شبكة، لكن: 

﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾

[  سورة النمل  ]

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

[  سورة التين  ]

والعين البشرية تُفَرّق بين ثمانية ملايين لون، لأنه يوجد بكل ميليمتر مربع بالشبكية مئة مليون مستقبل ضوئي، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)﴾

[ سورة البلد  ]

بدماغ الإنسان يوجد مئة وأربعون مليار خلية استنادية سمراء لم تُعرف وظيفتها بعد، ويوجد على سطح الدماغ أربع عشرة خلية قشرية فيها المذاكرة والمحاكمة والاستنباط والتفكير وما إلى ذلك، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)﴾

[ سورة البلد  ]

﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36)﴾

[ سورة الإسراء  ]

الفؤاد أي الدماغ.
أيها الإخوة؛ حينما يولد الطفل ينزل من رحم الأم الجنين مع قرص لحمي اسمه المشيمة، وهذه المشيمة قرص لحمي يجتمع فيها دم الوليد مع دم أمه، في أثناء الحمل يجتمع دم الأم مع دم الجنين في المشيمة، ولا يختلطان، ولكل دم زمرته، كيف؟ قال: لأن بين الزمرتين غشاء سمّاه علماء الطب الغشاء العاقل، لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء، ما هذه الأعمال؟ 
قال: أولاً هذا الغشاء العاقل بين دم الأم ودم الجنين، ولا يختلطان، من بديهيات الطب أن إنساناً لو أعطي دماً من زمرة غير زمرته لمات فوراً بما يسمى بانحلال الدم، الغشاء العاقل يأخذ الأوكسجين من دم الأم، يطرحه في دم الجنين، ثم يأخذ السكر من دم الأم، يطرحه في دم الجنين، لما أخذ الأوكسجين قام بدور جهاز التنفس، ولما أخذ السكر قام بدور جهاز الهضم، ثم يأخذ الأنسولين من دم الأم يطرحه في دم الجنين، صار بدم الجنين سكر، أوكسجين، أنسولين، احترق السكر، ولّد طاقة، فالجنين حرارته 37، من أين جاءت هذه الحرارة؟ من احتراق السكر بالأوكسجين عن طريق الأنسولين الذي أمّنه الغشاء العاقل من دم الأم إلى دم الجنين، ينشأ عن هذا الاحتراق ثاني أوكسيد الكربون، يأتي الغشاء العاقل يأخذ ثاني أوكسيد الكربون من دم الجنين يطرحه في دم الأم، لذلك جزء من نَفس الأم هو نفس جنينها، أنفاس الأم أثناء التنفس جزء منه أنفاس دم الجنين، الآن الغشاء العاقل يأخذ من دم الأم عوامل المناعة، فجميع الأمراض التي أُصيبت بها الأم تنتقل عوامل مناعتها إلى دم الجنين، فالجنين مُحَصّن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه، يدُ من؟ يد الله عز وجل.
الآن الغشاء العاقل يأخذ من دم الأم كل حاجات الجنين الغذائية، البروتينات، والشحوم، والشحوم الثلاثية، والسكريات، والنشويات، والمعادن، وأشباه المعادن، والفيتامينات، يأخذ كل عناصر الغذاء من دم الأم بنسب تتبدل كل ساعة، لو أوكِل أمر الغشاء العاقل إلى نخبة من أطباء الأرض لمات الجنين في ساعة واحدة، يأخذ هذا الغشاء العاقل من دم الأم كل عوامل التغذية ومكونات الغذاء بمعايير دقيقة جداً يطرحها في دم الجنين، يكون الهضم وما يسمى بالاستقلاب، ينتج عن هذا الهضم حمض البول، يأتي الغشاء العاقل يأخذ حمض البول من دم الجنين يضعه في دم الأم، وقد يحتاج الجنين إلى مادة غذائية معينة فيكيف يخبر أمه؟ لا يوجد طريق للتواصل، عن طريق أن الأم تشتهي طعاماً أثناء الحمل فيه هذه المادة، تصميم من؟ خلق من؟ 
 

التفكر في خلق السماوات والأرض يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله:


لذلك أيها الإخوة: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ التفكر في خلق السماوات والأرض يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، وأنت إذا عرفت الله عز وجل لابدّ من أن تطيعه، وسبحان الله عز وجل! حينما قال بعض الشعراء:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه          ذاك لعمري في المقال شنيع

لـو كان حبك صادقا لأطعتــه          إن المحب لـمن يحب يطيــع

[ الشافعي ]

* * *


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور